هل سبق لك أن وصلت إلى نهاية اليوم وأنت تشعر بالإرهاق التام، ولكن عندما تنظر إلى قائمة مهامك، تشعر أنك لم تنجز شيئًا ذا قيمة حقيقية؟ هل تجد نفسك باستمرار “مشتتًا”، تنتقل من مهمة عاجلة إلى أخرى، دون أن تقترب خطوة واحدة من أهدافك الكبيرة؟
أنت لست وحدك.
في العالم المتسارع الذي نعيش فيه، أصبح من السهل جدًا أن ننحرف عن مسارنا. المشكلة غالبًا ليست في قلة الوقت، بل في غياب الخطة الواضحة.
لهذا السبب، فإن معرفة كيفية التخطيط اليومي الناجح هو أمر أساسي إذا كنت تسعى لتحقيق أي هدف في حياتك. إنه الفارق الحقيقي بين يوم مليء بالفوضى وردود الأفعال، ويوم مليء بالإنجاز والتقدم المدروس.
في الحقيقة التخطيط اليومي الناجح لا يقتصر فقط على تعلم طرق إدارة الوقت وتنظيمه، بل يمتد لأكثر من ذلك بكثير؛ إنه يتعلق بتحديد الأولويات بذكاء، ووضع أهداف واضحة، ومراجعة إنجازك بعد ذلك بشكل صحيح. وهذا بالضبط ما سنغوص فيه في هذا الدليل.
خطوات التخطيط اليومي الناجح
لتتعلم كيفية التخطيط اليومي الناجح من البديهي أن تتعرف على أهم الخطوات التي تُشكل الخطة المثالية والأكثر قابلية للتحقيق، وأهم تلك خطوات على الإطلاق هي:
1. ضع مخطط أسبوعي أو شهري
وضع الخطة يومًا بيوم ليس أفضل خيار إذا كنت تريد تحقيق أقصى إنتاجية ممكنة، حيث يجعل ذلك العمل على الأهداف عشوائيًا وغير مرتبًا على الإطلاق.
لذلك فعليك أولًا أن تضع خطة على نطاق أكبر سواء كانت أسبوعية أو شهرية لتعطيك قدرة أعمق على رؤية الصورة الأشمل، وجعلك أكثر مرونة في توزيع المهام بحسب أهميتها.
كما سيجعل هذا النوع من الخطط من النادر أن تتضارب المهام الخاصة بك وأن تتعطل نظرًا لكونك وضعتها ضمن الخطة الكبيرة من الأساس.
2. حدد هيكل يومك العادي
بعد وضع خطتك الكبيرة فلن توزع مهامها على الأيام بشكل عشوائي، بل عليك أولًا أن تفهم كيف يسير يومك وما الساعات التي تتوفر للقيام بكل مهمة من الأساس.
فبشكل مبدئي سيكون عليك تحديد عدد ساعات النوم ووقت الاستيقاظ والتوقيت الذي تنام فيه أيضًا، وأن تحسب كم ساعة تقضيها مستيقظًا وتستطيع الانتاجية.
ومن ثم سيكون عليك إزالة الساعات التي لا تستطيع التحكم فيها مثل فترة العمل أو محاضرات الجامعة وغيرها من المهام التي من الضروري أن تقوم بها كل يوم في أوقات محددة.
3. حدد مجموعة المهام اليومية
بعد أن حددت هيكل يومك الطبيعي والساعات المتوفرة فيه فالآن عليك تحديد مجموعة المهام التي تريد القيام بها من الأساس، والتي تعتمد بشكل أساسي عليك وعلى تخصصك واهتماماتك.
ولكنها في العادة ما تكون أشياء مثل ممارسة الرياضة أو إنهاء كورس ما أو المذاكرة أو العمل على مصدر دخل ثاني أو حتى القيام بهواية معنية.
والجدير بالذكر هو أن تضع أيضًا المهام الثابتة التي ذكرناها في النقطة السابقة كالعمل وحضور المحاضرات وحتى النوم لكي لا تهملها فيما بعد.
فقم بتجميع كل تلك المهام المحتملة بشكل شامل لتستطيع توزيها بعد ذلك بطريقة صحيحة خلال عملية التخطيط اليومي الناجح.
4. رتب المهام حسب الأولوية والصعوبة
إذا قمت بالخطوة السابقة بالفعل فأنت في الغالب أمام عدد ضخم جدًا من المهام التي لا تعرف كيف تضعها في جدولك بشكل صحيح.
وأفضل حل لتلك المشكلة أن تقسم تلك المهام حسب الأولوية في الإنهاء ودرجة الصعوبة، وبذلك سيكون هناك أربع تصنيفات للمهام وهي:
- مهمة وصعبة.
- مهمة وسهلة.
- غير مهمة وسهلة.
- غير مهمة وصعبة.
وهذا هو الترتيب الذي يراه الكثير من المتخصصين مثاليًا، ولكن بالتأكيد يمكنك تبديل ترتيب تصنيفات تلك المهام خلال التخطيط اليومي بحسب تفضيلك، ولكن من المهم أن تضع الأولوية في المقام الأول ومن ثم الصعوبة.
5. قسم المهام الكبيرة إلى مهام أصغر
تلك الخطوة اختيارية إلى حد كبير، ولكن ينصح بها الكثير من المتخصصين، وهي ببساطة أن تقوم بتبسيط المهام الكبيرة إلى مهام أصغر أثناء وضعك لها في جدول مهامك اليومي لكي يسهل عليك البدء فيها وإتمامها.
والمعيار هنا هو أن تقسم تلك المهام بحيث يكون الوقت المستغرق للقيام بكل منها متقارب، فعلى سبيل المثال بدلًا من أن تكتب الذهاب للجيم فقط، يمكنك أن تقسمها لتكون الإحماء، والقيام بتمارين المقاومة، والقيام بالإطالات.
والجدير بالذكر أن تلك الخطوة لن تجعل تخطيطك اليومي أكثر فعالية فقط، بل ستجعلك تشعر بالانجاز بشكل أكبر على مدار اليوم وستشجعك على الاستمرار.
6. اجمع المهام المتشابهة
لكي توفر الوقت خلال عملك على خطتك اليومية حاول وضع المهام المتشابهة مع بعضها خلال التخطيط لكي تنتهي منها بدون الرجوع لنفس النقطة مرة أخرى.
فعلى سبيل المثال إذا كان مطلوبًا منك الرد على بعض الإيميلات، والتواصل مع الأصدقاء والأقارب، فضع هاتين المهمتين المتشابهتين بعد بعضهما البعض لتنجزهما بشكل أسرع.
7. خصص وقت زمني لكل مهمة
إذا رتبت المهام فقط وتركت نفسك خلال اليوم تحدد متى تقوم بها ففي الغالب ستستمر في التسويف حتى ينتهي اليوم ولن تقوم بأي منها، ولهذا ستحتاج لمعرفة كيفية إدارة الوقت أيضًا وتخصيصه لكل مهمة.
والحل الأمثل للقيام بذلك هو أن تضع وقت معين لكل مهمة تنوي القيام بها خلال اليوم، مع الانتباه لبعض التأخير الذي قد يحدث على مدار اليوم تبعًا لظروف خارجة عن إرادتك.
ويفضل أن تبدأ اليوم بأصعب المهام التي ستقوم بها، حيث تكون في أفضل حالاتك خلال تلك الفترة، وحتى في أسوأ الافتراضات إذا قمت بتلك المهمة فقط فستكون قد خرجت بنتيجة إيجابية من يومك.
8. ضع في الاعتبار المهام غير المتوقعة
يقوم الكثيرون بحساب كل دقيقة خلال اليوم وما سيقومون به فيها بالضبط، وتلك ليست الطريقة الأفضل للتخطيط اليومي الناجح، حيث في الغالب ما نتأخر في بعض المهام وتأتينا بعض الطلبات المفاجئة أحيانًا.
ومن شأن ذلك أن يعود على هذا النوع من المخططين بإحباط كبير وأن يجعلهم يتوقفون عن إتمام باقي المهام أو حتى القيام بالتخطيط من جديد بحجة أن خطتهم قد فسدت.
ولكي تتجنب ذلك فالحل بسيط، وهو أن تضع بعض المرونة في خطتك مثل ساعة للطوارئ، وحتى في أسوء الأحوال إذا طالت تلك المهام المفاجئة يمكنك الأخذ من وقت المهام قليلة الأولوية لإتمامها.
9. راجع الإنجازات في نهاية اليوم
مراجعة خطتك في آخر اليوم والإنجاز الذي قمت به شيء أساسي جدًا لتستطيع التعرف على نقاط ضعفك وقوتك وأبرز المهام التي تهملها.
وحاول أن تجمع أكبر كمية ممكنة من المعلومات عن المهام التي قمت بها أيضًا مثل المهام التي أخذ القيام بها أكثر من اللازم والمهام التي استمتعت بالقيام بها وغيرها من المعلومات.
10. عدل خطة اليوم التالي بناءً على النتائج
بعد أن قمت بإنهاء اليوم ومراجعة نتائجك فحان الوقت لوضع خطة اليوم التالي، والتي لن تختلف عن اليوم السابق إلا في نقاط قليلة.
وأهمها هو أن تراعي التوازن في مهام الأسبوع بشكل عام وأن تضع المهام الجديدة بشكل يضمن الانتهاء منها كلها في النهاية بدون إهمال واحدة أكثر من الأخرى.
فإذا أهملت الدراسة على حساب التدريب وممارسة الهوايات في اليوم الحالي، ففي اليوم التالي يمكنك أن تعطي الأولوية لتلك المهام.
أهم أدوات التخطيط اليومي الناجح
بجانب معرفة كيفية التخطيط اليومي الناجح، فعليك أن تتعرف على بعض الأدوات الجانبية الهامة التي ستساعدك على القيام بتلك العملية بشكل احترافي، وأهم أنواع تلك الأدوات وطرق استخدامها لخدمة الخطوات التي ذكرناها هي:
المفكرة (للعصف الذهني وتجميع المهام): لا تعتمد على ذاكرتك أبدًا فيما يتعلق بالتخطيط. المفكرة، سواء كانت ورقية أو رقمية (مثل Microsoft OneNote)، هي نقطة البداية لتطبيق الخطوة رقم 3 (تحديد مجموعة المهام اليومية). إنها المساحة التي تقوم فيها بتفريغ كل ما يدور في ذهنك من مهام وأفكار ومواعيد بشكل خام قبل البدء في تنظيمها.
أداة قوائم المهام (للتنظيم وتحديد الأولويات): هنا يتحول العصف الذهني إلى خطة عمل. هذه الأداة ضرورية لتطبيق الخطوة رقم 4 (ترتيب المهام حسب الأولوية) والخطوة رقم 5 (تقسيم المهام الكبيرة).
- كيفية الاستخدام: بدلاً من مجرد قائمة ورقية، يمكنك استخدام أداة متقدمة مثل Notion. تتيح لك هذه الأداة إنشاء بطاقة لكل مهمة، وتصنيفها بسهولة (مهم وصعب، مهم وسهل…)، وإضافة قوائم فرعية داخلها لتقسيم المهام الكبيرة، ثم إعادة ترتيبها بالسحب والإفلات حسب أولويات يومك.
التقويم الرقمي (لحجز الوقت الزمني): التقويم هو الأداة المثالية لتنفيذ الخطوة رقم 7 (خصص وقت زمني لكل مهمة).
- كيفية الاستخدام: استخدم تقويمًا رقميًا مثل Google Calendar لتطبيق تقنية “تخصيص الوقت” (Time Blocking). فبدلاً من مجرد كتابة المهام، أنت تقوم بـ “حجز” كتل زمنية محددة في تقويمك لكل مهمة (مثال: 9:00 – 10:30: العمل على المهمة “أ”). هذا يحول يومك من قائمة أمنيات إلى خطة زمنية واقعية وقابلة للتنفيذ.
المؤقت (للتركيز وإدارة فترات الراحة): المؤقت هو أداتك لضمان الالتزام بالكتل الزمنية التي حددتها في التقويم، ولتطبيق نصيحة “خذ فترات راحة” بفاعلية.
- كيفية الاستخدام: لا تحتاج لأداة معقدة، فمؤقت هاتفك كافٍ تمامًا. استخدمه لتطبيق تقنية مثل البومودورو (العمل بتركيز لمدة 25 دقيقة ثم راحة 5 دقائق). هذا يساعدك على بدء المهام (خاصة الصعبة منها) والحفاظ على أعلى مستويات تركيزك.
أداة التذكير (للمهام المتكررة والعادات): ليست كل المهام مشاريع تتم مرة واحدة. هناك مهام صغيرة متكررة ضرورية لنجاح يومك (مثل شرب كمية معينة من المياه، أو مراجعة البريد الإلكتروني في وقت محدد).
- كيفية الاستخدام: يمكنك استخدام تطبيقات التذكير المخصصة أو ببساطة ضبط منبه هاتفك العادي ليعطيك تنبيهات دورية، لضمان عدم إهمال هذه العادات البسيطة والمهمة وسط زحمة المهام اليومية.
نصائح للتخطيط اليومي الناجح
نواجه كلنا الكثير من التحديات سواء خلال تعلم كيفية التخطيط اليومي الناجح أو خلال تنفيذ تلك الخطة بعد وضعها بالفعل، وأهم النصائح التي ستساعدك على التعامل مع تلك التحديات هي:
1. كن واقعيًا في وضع الأهداف والمهام: على الأهداف التي ستضعها خلال عملية التخطيط اليومي أن تكون معقولة لكي تتمكن من تحقيقها وحتى لا تشعر بالإحباط في النهاية.
ويرشح الكثيرون استخدم طريقة الأهداف الذكية التي تتميز بكونها محددة وواقعية وقابلة للقياس والتحقيق ومحددة بزمن معين لكي تنجز أكبر عدد ممكن من الأهداف خلال اليوم.
2. حافظ على توازن القيام بالمهام: أغلبنا يجد بعض المهام أكثر متعة من الأخرى، ولذلك يقوم بالعمل عليها أكثر من غيرها، وهو ليس شيئًا سلبيًا في أغلب الأحيان.
إلا إذا كنت لا تحافظ على أي توازن بين المهام وبعضها وتهمل الكثير منها فقط لتقوم بما تستمتع بالقيام به، وهو ما عليك إصلاحه بالتأكيد وإتمام كل المهام بدون الإخلال بأولوياتك.
3. خذ فترات راحة: لتتمكن من التخطيط اليومي الناجح عليك أن تضع في الاعتبار فترات الراحة، وأن تعطيها جزءًا من الوقت المخصص لكل مهمة، حيث تساعدك فترات الراحة على إعادة نشاطك والتعزيز من تركيزك.
ولكن على الجانب الآخر لا تبالغ في الراحة بشكل يجعلك تتكاسل عن العودة للمهمة التي تقوم بها، ومن المعدلات الجيدة للراحة هي العمل لمدة 25 دقيقة ثم راحة 5 دقائق، ويمكنك التعديل في تلك المدة حسب تفضيلك بالتأكيد.
4. قلل من مصادر التشتيت: في وقتنا الحالي يوجد عدد لا نهائي من وسائل التشتيت أبرزها بالتأكيد وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك كن على علم بالأشياء التي تشتتك وحاول علاجها سواء بحجبها خلال فترات العمل والإنتاجية أو بالابتعاد عنها بأي طريقة إن استطعت.
5. كافئ نفسك باستمرار: تعد المكافآت من أهم جوانب عملية زيادة الإنتاجية و ترويض عقلك لإنجاز المهام الصعبة، وعليها أن تكون جزءًا من عملية التخطيط الخاصة بك.
فكلما قمت بالانتهاء من مهمة أو مشروع معين عليك أن تكافئ نفسك بشيء تحبة سواء كان شيء معنوي بالقيام بهواية أو شيء مادي كأكل طعام معين، وكل ذلك من شأنه أن يشجعك بشكل كبير على إنجاز المهام.
6. لا تفرط في التخطيط: لا يشك أحد في كون التخطيط اليومي الناجح من أهم عناصر النجاح التي عليك الاهتمام بها، ولكن حينما تجد نفسك تقوم بالتخطيط بمعدل أكبر من إتمام المهام فأنت تحتاج لحل تلك المشكلة.
فهي إما لكونك مثالي للغاية وتحب التعديل بشكل مستمر أو تضع خططًا صارمة لا تستطيع الاستمرار عليها، وفي كلتا الحالتين عليك التحلي ببعض المرونة لكي لا تضيع الكثير من الوقت في ذلك.
7. ركز على مهمة واحدة في كل مرة: قد يبدو تعدد المهام والقيام بأكثر من شيء في وقتًا واحد جذابًا للوهلة الأولى ولكنه غير فعال على الإطلاق وعليك تجنبه سواء خلال عملية التخطيط أو التنفيذ، ففي الغالب ستعود عليك بنتائج سلبية وستخرج في النهاية بنتائج غير مرضية في المهمتين اللتين تقوم بهما.
الخاتمة
نريد جميعًا استثمار وقتنا بأفضل شكل ممكن وامتلاك أعلى إنتاجية ممكنة خلال اليوم. وكما رأينا، فإن معرفة كيفية التخطيط اليومي الناجح هي خريطة الطريق لتحقيق ذلك. فمن شأن وضع خطة يومية جيدة أن يساعدك على ترتيب مهامك بشكل صحيح حسب الأولوية، وتبسيطها، ومعرفة نقاط ضعفك وقوتك بوضوح.
والآن، حان دورك.
شاركنا في التعليقات: ما هو التحدي الأكبر الذي يواجهك حاليًا في التخطيط ليومك؟ أو ما هي النصيحة الأولى التي ستبدأ بتطبيقها من هذا المقال؟
ولأن رحلة إتقان الإنتاجية مستمرة، إذا كنت ترغب في التعمق أكثر، يمكنك تصفح أرشيف مقالاتنا المتخصصة حول إدارة الوقت، حيث ستجد 9 مقالات إضافية تساعدك على احتراف هذه المهارة الأساسية.