ما هو التفكير النقدي وكيف تكتسبه (مهارة ستغيرك تماماً)

صورة توضيحية لشخص يفكر مع عنوان: ما هو التفكير النقدي وكيف تكتسبه – دليل لفهم مهارة التفكير النقدي وتعلمها خطوة بخطوة

التفكير النقدي هو مهارة رئيسية لأي شخص في ظل عالمنا الحالي المليء بالمعلومات الخاطئة والمضللة، و التي قد تضرنا ضررًا شديدًا إذا لم نفكر فيها بشكل منطقي مرتب.

ومهما كان المجال الذي تعمل فيه فتعد مهارة التفكير النقدي شيء محوري جدًا لجعلك تتميز عن باقي منافسيك في مجال عملك، وفي تطوير حياتك وجوانبها المختلفة بشكل عام.

مهارة التفكير النقدي ستساعدك في عملية إتخاذ القرارات بشكل عقلاني ومدروس، وستجعلك صعب الخداع والتأثر بآراء الآخرين.

وفي السطور القادمة سنوضح أهم جوانب التفكير النقدي التي تحتاج لمعرفتها لتبدء في استخدامه حتى إذا كنت لا تعرف عنه أي شيء.

ما هو التفكير النقدي

التفكير النقدي “Critical Thinking” هو عملية فكرية منظمة ومنضبطة، تقوم فيها بتحليل المعلومات وتقييمها وتركيبها بطريقة منطقية موضوعية، وذلك عبر منهج عقلاني يجعلك تصل إلى استنتاجات وحلول مدروسة.

ويعتمد التفكير النقدي أيضًا على الاستناد للمعلومات والحقائق الموثوقة، والتحقق من صحة الحجج المختلفة، والتشكيك الذكي في صحة المعلومات، مع إدراك أن الحقيقة قد تكون نسبية وقابلة للنقاش.

ويستخدم هذا النوع من التفكير في كافة جوانب حياتنا المختلفة، سواء في العمل أو التعليم أو حتى في اتخاذ القرارت الشخصية، ولذلك سيفيدك تعلمه بشكل ضخم مهما كان عمرك أو مجال عملك أو معتقداتك الشخصية.

وإذا كنت تظن أن تعلم التفكير النقدي مجرد رفاهية ولن يكون له هذا الأثر الكبير على حياتك، فتابع معي الأسباب التالي التي توضح أهميته.

5 أسباب قوية تدفع لتعلم التفكير النقدي

1. يقلل تعرضك للخداع والتضليل: يمنحك التفكير النقدي القدرة على التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة، وذلك عبر وضع مقدمات منطقية مضبوطة تجعلك تصل إلى استنتاج صحيح في أغلب الأحيان، وهو شيء مفيد جدًا في ظل العالم الحالي الملئ بالأخبار المزيفة والمعلومات الكاذبة.

2. يطور قدرتك على الإبداع: لا يقتصر التفكير النقدي على التحليل والتقييم فقط، بل الإبداع هو الآخر جزء كبير من مراحله، حيث يُمكنك من الوصول لأفكار أكثر ابتكارًا من السائدة في مجالك مهما كان.

3. يحسن من أتخاذك للقرارات: الكثير من القرارات التي نأخذها خلال حياتنا اليومية تؤثر بشكل ضخم على نجاحنا وعلى النتائج التي نصل لها، ويعطيك التفكير النقدي القدرة على تقييم الخيارات المتاحة لك بشكل صحيح واختيار أفضلها لحالتك الحالية.

4. يحسن من قدرتك على حل المشكلات: نواجه كلنا مشكلات مختلفة التعقيد، وأحيانًا ما نتعامل معها بسذاجة كبيرة، ولكن بتعلم التفكير النقدي ستتمكن من تحليل أي مشكلة من عدة جوانب، والتوصل لحلول مبتكرة بدلًا الطرق السطحية والعشوائية.

5. يزيد من وعيك بذاتك والآخرين: يساعدك استخدام التفكير النقدي على التعرف على نفسك بشكل أكبر، ومعرفة ما هي تحيزاتك التي تؤثر على رؤيتك للأمور، بجانب فهم الدوافع وراء وجهات نظر الآخرين وكيفية استخدام مهارات التواصل لتغييرها بطريقة فعالة.

مهارات التفكير النقدي

للتفكير النقدي عدد ضخم جدًا من المهارات التي ستساعدك في التطوير منه وتحسين طريقة تفكيرك بشكل عام.

وأهم تلك المهارات على الإطلاق هي:

1. الفصل بين العاطفة والمنطق: تؤثر العواطف بشكل كبير على تفكيرنا واتخاذنا للقرارات، ولذلك فلكي تكون مفكر ناقد جيد عليك أن تفصل بين العاطفة والمنطق، وألا تتعصب لفكرة معنية لمجرد تحيزاتك الشخصية لكي تصل للنتيجة المثلى في النهاية.

2. المرونة في التفكير: إذا لم تكن مرنًا في التفكير فلن تصل لنتائج جديدة بأي حالٍ من الأحوال، ولهذا فمن البديهي أن تكون مستعدًا لتبني أفكار مختلفة عن موقفك الحالي، وأن تكون منفتحًا على كافة الآراء دون التمسك الأعمى بأفكارك السابقة.

3. القدرة على تحليل المعلومات: من أهم مهارات التفكير النقدي على الإطلاق هي تحليل المعلومات وتفكيكها إلى مقدمات ونتائج لكي تتمكن إما من تبنيها أو نقدها، وذلك بجانب معرفة الركائز التي تقوم عليها سواء كانت علمية أو زائفة.

4. الحيادية في تقييم المعلومات: يتطلب التفكير النقدي أن تتسم بالموضوعية والحيادية، وأن تتجنب إطلاق الأحكام الفورية بناءً على تصوراتك المسبقة عن الموضوع، فلا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة ومن شأن أي فكرة أن تثبت فشلها حتى إذا كنت مؤمنًا بها إيمانًا أعمى.

5. الاستدلال بشكل صحيح: أثناء التفكير النقدي لا تتم عملية الاستدلال بشكل عشوائي، إنما تبعًا لخطوات محددة ومرتبة مثل وضع مقدمة كبرى وصغرى محكمتين وغير متناقضتين، ومن ثم الخروج بالاستنتاج النهائي الذي يتفق مع كلاهما بدون الوقوع في مغالطات منطقية.

6. الاهتمام بالملاحظات الصغيرة: في الغالب ما تحمل الملاحظات الصغيرة داخل أي حجة تفاصيل هامة تجعلك تتمكن من الحكم عليها منطقيًا على الفور، مثل جمعها للنقيضين، والشخصنة وغيرها من الأشياء التي تبطل هذه المعلومة أو حتى تجعلك ترجح صحتها.

7. حب الاستطلاع والتعلم: بجانب كل المهارات الذهنية السابقة فعلى المفكر الناقد أن يكون متعلم نهم، وألا يكتفي بالمعلومات التي يمتلكها وأن يكون دائم التشكيك فيها أيضًا، فتلك الرغبة هي ما ستساعده على التأكد من صحة معلوماته وتطويرها.

8. طرح الأسئلة الصحيحة: يلعب السؤال الصحيح دورًا محوريًا في الحصول على إجابة صحيحة، لذلك عليك خلال تعلم التفكير النقدي أن تتعلم كيف تصيغ السؤال لكي تخرج منه بأفضل معلومات وإلزامات ممكنة للخصم أو للحجة المضادة لتستطيع تفكيكها بسهولة بعد ذلك.

9. الارتكاز على الحقائق والمعلومات الموثوقة: مهما كان الموضوع الذي تبحث فيه سواء كان علمي أو فلسفي أو تاريخي فحاول أن ترتكز على أكثر المعلومات موثوقية وأن تميزها عن الشائعات والآراء الشخصية التي ستضللك بشكل كبير.

10. دراسة المغالطات المنطقية وكيفية تجنبها: نرتكب كلنا المغالطات المنطقية يوميًا، وهو ما يجعلنا نتفوه بالكثير من المعلومات المغلوطة، ولذلك فمن أهم المهارات لتعلم التفكير النقدي هي أن تتعلم للمغالطات المنطقية الصورية وغير الصورية لكي تتجنب إصدار استنتاجات غير صحيحة.

خطوات تطبيق التفكير النقدي

يوجد بعض الخطوات المرتبة التي تحتاج للمرور بها لكي تكون قد طبقت التفكير النقدي بشكل صحيح، وبالتأكيد تختلف تلك الخطوات من موضوع لآخر، ولكنها تتشابه في المضمون في أغلب الأحيان.

وأهمها بشكل عام هي:

1. حدد المشكلة أو السؤال

قبل البدء في أي عملية تحليلية يجب أن تحدد المشكلة أو السؤال الذي ستعمل على معالجته بوضوح، وأن تسأل نفسك “ما هو السؤال بالضبط الذي أريد الإجابة عنه؟”، وإذا وجدت أن للمشكلة أكثر من سؤال فقم بتقسيمه والعمل على كل جزء بشكل منفصل.

فمثًلا إذا وجدت أن مبيعات عملك التجاري تقل بشكل منتظم، فعليك أن تسأل سؤال مثل “ما هي العوامل التي أثرت على مبيعاتي؟” بدلًا من “كيف أطور من المنتج الخاص بي؟”، فليس من الضروري أن يكون الخلل في منتجك، بل يمكن أن يكون من الموقع أو السوق حتى.

2. اجمع المعلومات اللازمة

بعد أن حددت سؤالك بشكل صحيح فستحتاج لجمع المعلومات اللازمة لتشخيصك لمشكلة هذا السؤال بشكل صحيح، والتي يمكن أن تكون دراسات أو تقارير أو استطلاعات أو آراء الخبراء وغيرها مما يعطيك رؤية شاملة للموضوع.

فإذا أكملنا مثال العمل التجاري فهنا سيكون عليك فحص مبيعات وزيارات المتاجر المشابهة والمنتجات الجديدة التي يطورونها، وفحص مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي لمستهلكي هذا النوع من المنتجات لتعرف ما الذي تغير.

3. استمع للحجج ووجهات النظر المختلفة

يتطلب التفكير النقدي النظر في الآراء المختلفة والمتعارضة لتكون وجهة نظر شاملة عن الموضوع تمكنك من الوصول للاستنتاجات الصحيحة، وذلك سواء كنت تتفق مع تلك الآراء أم لا.

فمشكلة منتجات العمل التجاري خاصتك من الممكن أن تكون غلاء أسعارها مقارنة بالسوق، أو تراجع ملحوظ في جودة المنتج أو مشكلة ما في عملية التوصيل أو تغيير العملاء لتفضيلاتهم في الشراء وغيرها من الأسباب.

4. استخلص استنتاجاتك المنطقية

بعد أن قمت بالنظر والبحث في الحجج والمعلومات المختلفة فأنت الآن جاهز لوضع المقدمات الصحيحة والخروج باستنتاجات ناجحة بناءً عليها.

فمن الممكن أن تكون المقدمة الكبرى هي أن أحد المنافسين أطلق عروضًا تنافسية جدًا في مجالك، والمقدمة الصغرى هي أن منتجاتك أغلى منها بشكل كبير، وإذن فالنتيجة المنطقية هي أن العملاء يشترون منه وبالتالي مبيعاتك تقل.

5. قدم حلول وإجابات عملية

الآن أنت جاهز لإطلاق الحلول المناسبة لحل مشكلتك بناءً على عملية نقدية مدروسة، ولكن المهم هنا أن تراعي كون تلك الحلول قابلة للتطبيق وأن تكون شاملة للعوامل الجانبية المختلفة.

فإذا أردت أن تحل مشكلة المبيعات تلك، فمن الممكن أن تقلل من الأسعار إذا استطعت لكي تجذب المستهلكين، أو أن توفر لهم ميزة تنافسية أخرى تغريهم بها سواء في الجودة أو التوصيل أو في تخصيص المنتج حتى.

6. قيم فعالية تلك الحلول والاستنتاجات

كن واعيًا على أن حلولك تلك ليست بالضرورة نهائية ومن الممكن أن تحتاج لتغييرها فيما بعد، ولذلك فقم بتقيم تلك الحلول بشكل دوري وأن تتقبل النقد من المختصين وأن تستمر في التعلم والنظر في البيانات أيضًا.

فإذا قمت بتقليل سعر المنتج ولم تجد النتائج وصلت للمعدل المتوقع، فضع في الاعتبار أن المشكلة يمكن أن تكون مثلًا في الاستراتيجية التسويقية، وعدم وصول العروض للمستهلكين الذين يريدونها.

نصائح لتعلم التفكير النقدي

مثل أي مهارة أخرى فالتفكير النقدي أيضًا له بعض النصائح الهامة التي ستجعلك تتخطى الكثير من الأخطاء الشائعة فيه.

وأهم تلك النصائح هي:

1. تجنب التحيزات الشخصية: من شأن التحيزات الشخصية أن تفسد طريقة تفكيرك بالكامل، لهذا حاول أن تتجنبها بقدر الإمكان، وأن تجرب تبني منظور مختلف لموقفك الحالي، وأن تحاول الانفتاح على الآراء الجديدة والبحث عن الأفكار المعارضة لك بشكل مستمر.

2. ميز بين الترابط والسببية: من أبرز أخطاء التفكير النقدي هو الخلط بين الترابط والسببية، حيث واحد منهما يعبر عن وجود ترابط بشكل ما بين الأمرين والآخر يشير إلى أنه سبب مباشر له.

فإذا كان أغلب الناجحين يقرأون فهذا ليس معناه بالضرورة أن القراءة سببًا للنجاح، ففي تلك الحالة يجب أن يكون كل قارئ ناجح، وذلك ليس صحيحًا، بل الأفضل القول بأنه يوجد رابط بين النجاح والقراءة.

3. مارس التفكير النقدي بشكل مستمر: التفكير النقدي ليس مهارة تكتسبها في يوم وليلة، بل تحتاج أن تعمل عليها بشكل مستمر في جوانب حياتك اليومية المختلفة، وأن تتعرف على أبرز الأخطاء التي تفعلها والبدء في إصلاحها بشكل مدروس عبر الممارسة.

4. لا تنظر للأفكار بالأبيض والأسود: يحب الناس وضع الأفكار في قوالب جاهزة وأن تكون إما صحيحة أو خاطئة، ولكن ذلك ليس صحيحًا دائمًا، فأغلب الأفكار تقع في المنطقة الرمادية بين الصحة والخطأ، ويمكنك أن تستفيد منها بالتأكيد إذا نظرت لها بالطريقة الصحيحة.

5. احترف المغالطات المنطقية: ذكرنا من قبل أهمية المغالطات المنطقية، ولكن ليس عليك فقط تعلمها لشكل عابر، بل عليك احترافها بشكل كبير واستخدامها بصورة مستمرة لمعرفة الخلل في طرق الاستدلال المختلفة، ولتجنب الكثير من أخطاء التفكير.

6. تجنب الشخصنة والاحتكام للسلطة: عند النظر في فكرة ما أو مناقشتها لا تلتفت لمواصفات الشخص الذي يناقشك على الإطلاق سواء كان مثقفًا أو شخصًا بسيطًا، حيث كلام الأشخاص مهما كانوا يستدل له ولا يستدل به.

فبغض النظر عمن تناقشه فالدليل هو الفيصل النهائي بينكما، كما لا تجعل موقفك الشخصي من هذا الشخص يؤثر على تلقيك المعلومة منه بأي شكل من الأشكال فيمكنك الاستفادة من أي شخص مهماً كان.

الخلاصة

في كل قرار نتخذه أو رأي نكونه نظن أننا نمتلك الحقيقة المطلقة التي لا يمكن تخطئتها، ولكن ذلك لا يكون صحيحًا في أغلب الأحيان، وهنا تكمن أهمية التفكير النقدي وتعلمه.

حيث تمكنك تلك المهارة من النظر في البيانات والحقائق بحيادية، والخروج باستنتاجات صحيحة تجعلك تصل لأفضل نتيجة ممكنة.

ولا تُكتسب تلك المهارة بين عشية وضحاها، بل تتطلب الكثير من البحث والتطبيق والنصائح التي ستساعدك على تطبيقها بشكل صحيح.

وبقراءة هذا المقال يمكن لأي شخص تطوير تفكيره النقدي وتعزيز قدرته على التفرقة بين المعلومات المختلفة ومدى صحتها مهما كانت خلفيته الدراسية أو مجال العمل الخاص به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top