كيف تروض عقلك لانجاز المهام الصعبة والأنشطة المفيدة

كيف تروض عقلك لانجاز المهام الصعبة

بقلم آية ابراهيم
أنت على الأرجح لا تواجه مشكلة في قضاء عدة ساعات في لعب ألعاب الفيديو، أو في تصفح منصات التواصل الاجتماعي عبر هاتفك.

ولكن ماذا عن نصف ساعة من الاستذكار؟ يبدو ثقيلاً وصعباً… أليس كذلك؟

بالرغم من معرفتك التامة بأن الاستذكار أو أي شيء مشابه يعود عليك بالنفع والإنتاجية، ويحسن حياتك على المدى الطويل، فإنك دائماً ما ستفضل مشاهدة التلفاز أو لعب ألعاب الفيديو وغيرها.

والسبب هنا بسيط وواضح، فأحد النشاطين سهل ولا يتطلب الكثير من المجهود والتركيز، بينما الآخر يتطلب الالتزام وبذل المجهود.

ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يقومون بالدراسة وغيرها بشكل يومي بسهولة، وهذا يصل بنا للسؤال المهم، ما الذي يحفز هؤلاء للقيام بالأعمال الصعبة بكل سهولة؟ وهل هناك طريقة ما لجعل القيام بتلك المهام أمر سهل ومُعتاد؟

للأجابة عن ذلك، سنتطرق لبعض المصطلحات الطبية والكيميائية وسنبسطها لكم تماماً.

ما هو الدوبامين؟ وما دوره في حياتنا؟

الدوبامين هو مادة كيميائية تُفرز بشكل طبيعي في جسم الإنسان، كما أنه ناقل عصبي، أي أنه يقوم بارسال إشارات من الدماغ للجسم.  

يؤدي الدوبامين دوراً مُهماً في التحكم بالحركات وانفعالات واستجابات الإنسان، وهذا يجعله عاملاً أساسياً مؤثراً على الصحة البدنية والعقلية.

في الحقيقة يؤثر الدوبامين على المزاج والنوم والتركيز، و نقصه الشديد يؤديء للإصابة بالإكتئاب… نعم هذا صحيح! يرجع سبب نقص الدوبامين إلى انخفاض مستواه في الجسم، أو وجود خلل ما في عمل المستقبلات العصبية بالدماغ.

كما يتحكم الدوبامين في رغبتنا في الأشياء، وتلك الرغبة هي ما تدفعنا للقيام بتلك الاشياء.

يفرز الدوبامين من منطقتين:

منطقة المادة السوداء

ويقوم الدوبامين المُفرز من تلك المنطقة بالتحكم في حركة الجسم، فعند اصابة تلك المنطقة، يؤدي ذلك إلى صعوبات بالحركة.

المنطقة السقفية البطنية

ويكون الدوبامين القادم من تلك المنطقة مسؤولاً عن المكافأة، والمقصود بالمكافأة هنا هو تحفيز تلك المنطقة من الدماغ، ومنح الجسم الشعور بالسعادة والرضا نتيجة القيام بنشاط نحب القيام به أو حتى عند تناول طعام لذيذ.

وسيكون الدوبامين القادم من المنطقة الثانية هو مركز حديث مقالنا اليوم…

تجربة الرافعة والفئران والاختبار العملي لتأثير الدوبامين

لاختبار قوة وتأثير الدوبامين، قام بعض الباحثين بتجارب على الفئران… حيث تم زرع أقطاب كهربائية في أدمغتهم، وكلما قام الجرذ بسحب الرافعة، يحفز العلماء افراز الدوبامين بدماغه مما يجعله يستمر في سحب الرافعة أكثر وأكثر ولساعات حتى ينام من التعب.

وعندما تم ايقاف افراز الدوبامين في أدمغة الفئران… أصبحت الفئران خاملة للغاية لا تكلف نفسها حتى عناء القيام بالحصول على رشفة ماء، كما أنها فقدت الرغبة تماماً في أي شيء.

بينما إذا تم وضع الطعام بأفواههم، فإنهم سيلتهمونه بنهم واستمتاع.

قد تعتقد أن العطش أو الجوع هو ما يحفزنا على الحصول على الطعام أو الماء، ولكن يلعب الدوبامين دوراً مهماً في ذلك، ففي حالاتنا نحن البشر، نرتب أولوياتنا بناء على مقدار الدوبامين الذي نحصل عليه من كل نشاط نقوم به.

ما نوع الانشطة التي تطلق قدر كبير من الدوبامين؟

أي نشاط يقدم لك قيمة أو إشباع أو إرضاء فوري يُطلق الدوبامين، ولكن إذا كنت تعلم أنه لا يوجد عائد فوري من تأدية مهمة ما، فإن دماغك لن يطلقه، وبالتالي تجد صعوبة في تنفيذ هذه المهمة.

لما تجد صعوبة في تنفيذ المهام العملية

فقبل أن تتناول طعامًا لذيذًا يطلق دماغك الدوبامين، لأنك تتوقع أن الطعام سيمنحك شعوراً جيداً، وذلك حتى لو كان طعاماً غير صحى وبوقت متأخر، وأنت تدرك الآثار السلبية لذلك… هو فقط يريد المزيد من أي شيء يساعد على اطلاق الدوبامين.

الأمر أشبه بمدمن المخدرات، إنه يعلم أن ما يفعله ليس جيداً، لكن كل ما يريده هو الحصول على المزيد من المخدرات، بالإضافة إلى أن الحصول على نسبة عالية منها يُطلق كميات غير طبيعية من الدوبامين، مما يجعله يرغب فيه أكثر.

وفي وقتنا الحالي القائم على التكنولوجيا كالالعاب ومنصات التواصل الاجتماعي، نقوم بإغراق أدمغتنا بكميات غير طبيعية من الدوبامين بشكل يومي دون أن نعى ذلك.

ولكن ما هو الحل… استمر في القراءة وسنضع لك خطة محكمة من ثلاث خطوات للتعامل بذكاء مع عقلك لافراز الدوبامين بما يخدم مصلحتك، ويجعلك تنجر الأشياء المهمة.

اقرأ ايضاً: ما هي الخريطة الذهنية (Mind Map) وفوائدها وكيفية استخدامها

الخطوات الثلاث الذكية لترويض عقلك وانجاز مهامك

الخطوة الأولى: افهم آلية توازن نظامك البيولوجي وكيفية تطبيق ذلك على الدوبامين

أجسامنا لديها نظام بيولوجي يسمى “التوازن”، هذا يعني أن اجسامنا تعمل على الحفاظ على أنظمتها الفيزيائية والكيميائية الدخلية عند مستوى متوازن، وكلما حدث خلل في التوازن يتفاعل جسمنا للتأقلم مع هذا الخلل.

فعندما يكون الجو بارداً تنخفض درجة حرارة أجسامنا، ونبدأ في الارتعاش لتوليد الحرارة وتدفئة الجسم، وعندما يكون الجو حارًا ترتفع درجة حرارة الجسم ونتعرق لنفقد بعض هذه الحرارة للحفاظ على درجة الحرارة المعتادة حوالي 37 درجة مئوية.

ولكن هناك طريقة أخرى يعمل بها التوازن البيولوجي الخاص بنا، وهي تسمى التسامح أو الاحتمال، فمثلاً عندما يكون هناك شخص لا يشرب الكحوليات إلا نادراً، فهو يقع تحت التأثير العقلي للكحول عندما يشرب كمية قليلة.

ولكن لو كان هناك شخص مدمن للكحوليات فإن جسمه يتأقلم مع الكميات الكبيرة التي يتعاطاها من الكحول، ومن ثم لا يقع تحت التأثير العقلي للحكول إلا عندما يتعاطى كميات أكبر من الكحول.

ولا يختلف الأمر كثيراً مع الدوبامين، حيث يعتاد دماغك بشكل يومي على وجود مستويات عالية من الدوبامين، فتصبح تلك المستويات طبيعتك الجديدة.

وهكذا فإن الأشياء التي لا تفرز الكثير من الدوبامين، لا تهمك بعد وتشعر بصعوبة شديدة في تنفيذها، وهذا هو السبب الحقيقي الذي يعطلك عن انجاز مهامك اليومية ذات الفائدة.

افهم الفكرة، لأن الفهم العميق للأمور هو بداية الخيط للتعامل معها بذكاء، ولذا دعني أساعدك على فهم مايحدث معك.

عقلك تعود على مستوى عالي من الدوبامين، والذي في الغالب يكون مرتبط بأنشطة ليست مفيدة لك، (مثل تصفح المواقع الإباحية، مشاهدة المسلسلات والأفلام المشوقة، تصفح السوشيال ميدياً، لعب ألعاب الفيديو، الثرثرة مع الأصدقاء…الخ).

من ناحية أخرى أنت تريد انجاز الكثير من المهام الأخرى المهمة في حياتك، والتي تفرز كميات ضيئلة من الدوبامين، (مثل استذكار دروسك في الجامعة، البدء في كورس لتطوير حياتك، انجاز عملك، ممارسة الرياضة، تناول اكل صحي…الخ).

للأسف عقلك في الغالب سيختار الأنشطة التي تفرز مستوى عالي من الدوبامين، وسوف يماطل في تنفيذ المهام أو ممارسة الأنشطة الأخرى المهمة… وهذا هو منبع مشكلة انخفاض مستوى الانجاز في حياة معظم الناس.

اقرأ أيضاً: نصائح لتنظيم الوقت (شغل أقل و لعب أكثر)

استمر في القراءة لتتعرف على الحل…

الخطوة الثانية: اجراء ديتوكس الدوبامين

في البداية عليك إجراء ديتوكس الدوبامين، أو كما يُعرف باسم صيام الدوبامين Dopamine Fasting، أي ايقاف تدفق الدوبامين.

ولتطبيق هذا الاجراء فما ستفعله هو تخصيص يوم تتجنب فيه كل الأنشطة المحفزة لافراز الدوبامين، لكي تتوقف عن إغراق دماغك بكميات كبيرة منه والسماح لمستقبلات الدوبامين بالتعافي.

لمدة يوم كامل ستحاول أن تحظى بأقل قدر ممكن من المرح، لن تستخدم الإنترنت، أو هاتفك أو جهاز الحاسوب الخاص بك، ولا يُسمح لك بالاستماع إلى الموسيقى، أو تناول أي طعام غير صحي… ستقوم بالتخلص من جميع مصادر المتعة طوال اليوم.

توقف عن ممارسة كل الأنشطة الممتعة

 

ذكرنا في الخطوة الأولى أن دماغك غارق تماماً في الدوبامين، ولذا فهو غير قادر على تقبل آداء الأنشطة ذات المستويات المنخفضة من الدوبامين.

وهو الآن يحتاج لشيء ما يساعده على عمل إعادة ضبط لكي يعود لتذوق مستويات الدوبامين المنخفضة التي يتم افرازها من خلال الأنشطة ذات الفائدة (مثل تناول وجبة صحية).

هل تتذكر بائع العطور الذي بعد قيامك بشم عدد من العطور الجميلة… يطلب منك شم البن لكي يساعدك على إعادة ضبط حاسة الشم من جديد لكي تستقبل الرائحة التالية بشكل طبيعي، حتى لو كانت أقل جودة أو شدة من الروائح السابقة.

فكرة صيام الدوبامين تشبه نوعاً ما فكرة شم البن بعد التعرض لزحام الروائح الجميلة التي تعرضت له في محل العطور.

بالطبع في يوم ديتوكس الدوبامين يمكنك الذهاب للمشي، وجعل ذلك فرصة لتصفية ذهنك بعيداً عن المؤثرات التكنولوجية المليئة بالموجات الضارة للمخ، ويمكنك التفكير في حياتك وأهدافك وما تنوي فعله.

أو يمكنك زيارة بعض الاصدقاء أو الاقارب الذين لم تتمكن من لقاءهم منذ فترة، أو قراءة بعض الكتب المفيدة.

قد يبدو هذا اجراءاً متطرفاً جداً، ولكن إذا كنت تسعى إلى نتائج جذرية وسريعة، فيجب أن تكون قادراً على اتخاذ ذلك الاجراء، وإذا كنت لا ترغب في اتخاذ مثل هذا الاجراء المتطرف، يمكنك القيام بنفس العملية بشكل أبسط.

ستختار أحد أيام الأسبوع، حيث ستمتنع عن أحد أنشطة المحفزة للدوبامين، و كل أسبوع ولمدة يوم كامل ستمتنع عن هذا النشاط… نعم ستشعر بالملل قليلاً ولكن هذا هو بيت القصيد.

اقرأ أيضاً: لا تقع في هذه الأخطاء العشرة بعد تخرجك من الكلية

الخطوة الثالثة: استخدم الدوبامين باعتدال وبالطريقة التي تفيدك

بعدما قمت بعمل ديتوكس الدوبامين، فمن المفترض أنك قمت بعمل إعادة ضبط لدماغك فيما يخص افراز الدوبامين، ويمكنك الآن أن تشعر بنسب الدوبامين الضيئلة التي يتم افرازها نتيجة الأنشطة العادية، مثل قراءة كتاب مفيد، أو انجاز عمل مهم، أو تناول وجبة صحية ولكنها ليست شهية جداً…الخ.

الآن عليك استخدام الأنشطة عالية التحفيز للدوبامين بشكل معتدل وفي صالحك ولكن كيف؟ هذا ما ستنتاوله في النقاط التالية:

  • لا تعود مرة أخرى لدائرة ادمان الدوبامين العالي بل قم بعمل كل شيء باعتدال.
  • استخدم الأنشطة عالية التحفيز للدوبامين كمكافأة بعد انجاز الأنشطة المهمة والمفيدة، مثل مشاهدة حلقة من مسلسلك التلفزيوني المفضل في نهاية يوم شاق من العمل.
  • تجنب أن تبدأ يومك أبداً بأي نشاط من الأنشطة المحفزة للدوبامين، بل اجعله في نهاية اليوم، أو بعد فترة عمل، مثل 45 دقيقة عمل و 15 دقيقة سوشيال ميديا مثلاً.
  • توقف تماماً عن أي نشاط محفز للدوبامين يضر بصحتك مثل التدخين، تعاطي المخدرات والكحوليات، ادمان مشاهدة الأفلام الاباحية…الخ.
  • حاول ادخال أنشطة أخرى مفيدة ومحفزة لافراز الدوبامين في نفس الوقت مثل ممارسة رياضة تستمتع بها، مشاهدة الأفلام الوثائقية، التواصل المباشر الحي مع الأصدقاء والأهل…الخ.

في نهاية المقال ياصديقي دعني اخبرك أننا بشر، وأننا لا نقوم بفعل الصواب دائماً، كما أنه يصعب علينا تجاهل سنين من الطرق والعادات الخاطئة في حياتنا.

لذا عليك أن تعي وتتفهم وتتقبل أن كل شيء صحي وجديد في حياتنا يحتاج لوقت لكي نتبناه ويصبح جزء من حياتنا، فلا بأس ياصديقي أن تحتاج لبعض الوقت لكي تتعلم كيفية تتعامل مع الدوبامين وتجعله يعمل لصالحك.

الفيصل هنا هو الاستمرار في المحاولة، وعدم الاستسلام للحياة القديمة، وجعل هدفك دائماً هو أن اليوم سيكون أفضل من الامس، واعتقد أنه بقرائتك لهذا المقال فهناك شيء ما قد تغير، وذلك لأن المعرفة تمثل قوة هائلة للتحرر من السجون الداخلية.

الآن أنت على الأقل تعرف ماذا يحدث داخل دماغك ويمنعك من تحقيق أهدافك.

لو كان لديك المزيد من الوقت فانصحك بقراءة المقال بالرابط بالأسفل:

كيفية إدارة الوقت خطوة بخطوة

موضوعات أخرى ستعجبك

عن الكاتب

فكرتين عن“كيف تروض عقلك لانجاز المهام الصعبة والأنشطة المفيدة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top