هل تذكر ذلك المشهد التقليدي في أغلب الأفلام عندما يقوم ضابط الشرطة أو المحقق بجلب ورقة وقلم، ثم يضع اسم القضية أو الشخص الذي يحقق عنه في المنتصف في دائرة.
ثم بعد ذلك يقوم برسم بعض الخطوط المتفرعة التي تخرج من تلك الدائرة، ويرسم دوائر أخرى و يضع بها أسماء أشخاص مشتبه بهم أو أحداث متعلقة بالقضية.
ثم يبدأ في التفكير والتعمق، وكلما اكتشف شيئاً جديداً أخذ يضعه في دائرة، ثم يربط بين الخيوط والمعلومات، وفجأة يرتفع صوت الموسيقى التصويرية وترى تلك النظرة على عين هذا الضابط.
وحينها تدرك أنه وجد حل اللغز الذي كان يحيره ويحيرك أنت أيضاً، أتعلم أن هذا المشهد التقليدي هو مثال على الخريطة الذهنية واستخدامها في التفكير وترتيب المعلومات؟
صحيح أننا في هذا المقال سنناقش ما هي الخريطة الذهنية وكيف يمكنك استخدامها بالتفصيل، لكننا لن نبحث عن المجرمين أو نحل بعض الألغاز ??.
بل سنتعرف على المعنى الحقيقي للخرائط الذهنية، وفوائدها، وأفضل تطبيقاتها حتى تصبح شخص أفضل يحسن التدبير والتفكير سواء في العمل أو الدراسة أو حتى في الأنشطة الروتينية اليومية.
ما هي الخريطة الذهنية؟
الخريطة الذهنية هي أحد الطرق التي تساعد على التفكير والتحليل، فأثناء قيامك بعملية تحفيز لعقلك على التفكير (Brainstorming) تقوم بكتابة أو رسم أفكارك بدون ترتيب أو هيكلة، وبالتالي ترى كل شيء أمامك وهذا يسهل استعادة المعلومات وتحليلها.
ويمكن تعريف الخريطة الذهنية أيضاً على أنها رسم بياني يساعد على تبسيط المفاهيم أو المهام، وتقسيمها إلى مجموعة من العناصر الصغيرة التي تغطى كل ما تريد معرفته عن الموضوع الرئيسي.
دعني أضرب لك مثالين حتى تتضح لك الصورة.
المثال الأول: لنفترض مثلاً أنك تريد مراجعة مادة دراسية مثل الفيزياء قبل الإمتحانات، فأحضرت ورقة وقلم لكي تكتب كل ما يجول في خاطرك مثل:
- مراجعة الفصل العاشر لأنه صعب نوعاً ما.
- مراجعة محاضرات أستاذك حول الفصلين الثاني والخامس لأنك تنساهم باستمرار.
- حل العديد من الأسئلة في صيغة علل.
- حل العديد من المسائل.
- حل 5 امتحانات كاملة.
ستقوم بعمل ذلك بطريقة غير مرتبة، مثل التي في الصورة في بداية المقال، ستضع “مادة الفيزياء في المنتصف” ثم تبدأ في كتابة الأفكار التي تدور في ذهنك في الدوائر الفرعية.
المثال الثاني: لنفترض أنك تريد تعلّم واحدة من أهم مهارات التسويق الإلكتروني ألا وهي السيو (SEO)، فقرأت بعض المقالات في موقع الرابحون، وأثناء قراءتك قمت باحضار ورقة وقلم ووضعت كلمة سيو في المنتصف ثم كتبت المعلومات التالية:
- الكلمات المفتاحية (Keywords)
- الباك لينك (Backlinks)
- شهرة الموقع وموثوقيته (Website Authority)
- عناوين الموضوعات (Page Titles)
- اللينكات الداخلية (Internal Links)
- تجربة المستخدم (User Experience)
إن كنت تعلم ما هو السيو مسبقاً ستجد أن ما كتبته هو تلخيص لبعض أهم العوامل التي تساعد المواقع على الوصول إلى الصفحة الأولى في محركات البحث.
تخيل أنك تتعلم هذا المصطلح لأول مرة، وكتبت هذه المعلومات بهذه الطريقة في دفتر ملاحظاتك، ويا حبذا لو قمت بتلوين كل عنصر بلون مختلف، سيكون من الصعب نسيان هذه المعلومات أبداً.
هذا هو باختصار معنى الخريطة الذهنية بشكل مبسط، ولكن دعنا نتعمق أكثر في فهم هذا الأسلوب الرائع في التفكير وكيف يمكن أن يكون جزء من حياتك المهنية والشخصية.
كيف نشأت الخريطة الذهنية وكيف تطورت؟
هناك الكثير من التغيرات في عالم تطوير الذات، كما أن العلم كل يوم يكتشف الجديد عن كيف يعمل العقل، وكيف يقوم بتخزين المعلومات ثم استرجاعها.
وهذا ما استغله عالم النفس البريطاني الشهير Tony Buzan مخترع أسلوب الخريطة الذهنية في التفكير وتنظيم المعلومات، يمكنك أن تعرف القليل عن هذا العملاق من خلال الفيديو التالي.
كما ترى، الخريطة الذهنية ليست فقط مجرد وضع ما تفكر فيه على ورقة، بل لقد تطور الأمر كثيراً حتى أصبح أسلوب يعتمد عليه الكثير من المتخصصين والهواة في العديد من نواحي الحياة.
ولعل السبب في ذلك هو التصور المرئي الذي تعطيه لك الخريطة الذهنية، وكأنك ترى الخلايا العصبية في عقلك وهي تفكر وتستخلص المعلومات.
لهذا واحدة من أفضل أساليب استخدام الخرائط الذهنية هو استخدام الصور والأشكال الإبداعية، فبدلاً من وضع كلمة “فيزياء” في منتصف خريطتك الذهنية.
ستضع أي رسمة تمثل مادة الفيزياء بالنسبة لك، ربما بندول أو مُكثف، وكذلك المصطلحات الفرعية والأفكار الصغيرة، يمكنك أن تستخدم خطوط وألوان مختلفة.
هذا هو سر انتشار أسلوب الخرائط الذهنية في التفكير واسترجاع المعلومات، فالعقل يُفضل الصور والألوان لتخزين المعلومات، وهذا هو أحد أهم فوائد الخرائط الذهنية التي سنناقشها لاحقاً.
وبسبب هذا الانتشار أصبح هناك برامج وتطبيقات تساعدك على رسم هذه الخرائط الذهنية، سواء كنت شخص محترف ولديك مسؤوليات كبيرة أو شخص عادي يبحث عن تنظيم حياته وترتيب أفكاره.
فوائد الخريطة الذهنية
هناك العديد من الفوائد التي تعود على أي شخص يستخدم الخرائط الذهنية باستمرار، إما في تدوين الملاحظات وتبسيط الموضوعات المختلفة، أو أثناء التفكير والبحث عن حلول للمشكلات.
ولهذا فإنه من الصعب حصر هذه الفوائد جميعاً، لذلك سنركز على أهمها.
1- القدرة على استيعاب كل أبعاد أو عناصر موضوع معين
عندما يستطيع العقل أن يرى الصورة كاملة في مكان واحد فإنه يستطيع تقدير كل العوامل المؤثرة في هذه الصورة، وبالتالي يستطيع الموازنة بينها وترتيبها حسب الأولوية بكل سهولة.
فعندما ترى بعينيك كل العناصر الخاصة بأمر معين في عملك – لنفترض مثلاً عمل خطة تسويقية – ستجد أن عقلك يكاد يتحرك بشكل تلقائي لتنفيذ المطلوب منه بسرعة ودقة أكبر من الطرق التقليدية.
2- تفسير المصطلحات والمفاهيم المعقدة
بالتأكيد تصادفك بعض المفاهيم أو المصطلحات الصعبة سواء في مجال عملك أو دراستك، هل جربت تفسيرها أو تلخيصها على شكل خريطة ذهنية؟
إن فعلت ذلك ستجد أنك تستوعب هذا المفهوم بمنتهى السهولة، كما أنك ستتمكن من استذكاره في أي وقت، ذلك لأن صورة الخريطة الذهنية تنطبع في عقلك خصوصاً إن كانت مميزة وبها بعض الصور والألوان.
3- سهولة استرجاع المعلومات
قديماً كانت مشكلة الأجيال السابقة هي قلة المعلومات ومصادرها، أما الآن فنحن نعاني من كثرة المعلومات، ولهذا وجب علينا أن نطور من طريقة حفظ المعلومات واسترجاعها وقت اللزوم.
وهذه أهم فوائد الخرائط الذهنية، فكلما اعتمدت عليها في تسجيل المعلومات التي تحتاجها باستمرار كلما كان من السهل عليك استيعابها.
ولن تصدق حجم المعلومات التي ستتذكرها إلا عندما تجرب بنفسك فاعلية الخريطة الذهنية، خصوصاً إن كنت طالب.
4- تحفيز المخ على الإبداع
عندما تجلب ورقة وقلم وتبدأ في وضع أفكارك أمام عينيك على شكل صور وكلمات، فإن هذا يحفز خلايا عقلك على الإبداع والبحث خارج الصندوق.
فأنت ترى كل شيء أمام عينيك، وبالتالي تستطيع استنباط المعلومات المخفية بين السطور والوصول إلى حلول للمشكلات التي كنت تعتقد أنها معقدة.
تماماً مثل ذلك الضابط في الأفلام الذي حدثتك عنه في بداية حديثنا.
5- الاحساس بالمتعة أثناء العمل أو الدراسة
هناك شعور رائع ينتاب أي شخص أثناء القيام بأي عمل إبداعي، ولهذا تم تطوير أسلوب الخرائط الذهنية بهذه الطريقة التي تعتمد على الرسم والتخطيط.
فأنت أثناء تركيزك الشديد على المصطلحات والعناصر المختلفة تحتاج إلى بعض التسلية والمتعة، وهذا هو دور الألوان والصور البسيطة التي يمكنك استخدامها.
وكلما استمتع عقلك أثناء القيام بأي نشاط، كلما أقبل عليه أكثر وحقق أكبر استفادة ممكنة منه، وهذا هو الهدف الرئيسي للخرائط الذهنية.
6- توفير الوقت
كم من الوقت تضيعه في محاولة تفسير بعض الموضوعات أو المصطلحات المعقدة، لا سيما إن نسيت بعض العناصر الهامة؟
وكم من الوقت تضيعه في ترتيب المعلومات والأفكار الخاصة بك؟ كل هذا الوقت يمكنك أن توفره على نفسك عندما تعتمد على الخرائط الذهنية، لأنك بأقل مجهود يمكنك ترتيب أفكارك واستعادة أي معلومة تريدها بكل سهولة.
اقرأ أيضاً: أفضل طرق إدارة الوقت
كما أشرت سابقاً، هناك العديد من فوائد استخدام الخرائط الذهنية، وستشعر بهذه الفوائد حينما تستخدمها باستمرار في عملك أو دراستك أو حتى في الأنشطة العادية.
عليك أن تضع في اعتبارك أن الخرائط الذهنية هي أداة لمساعدة العقل على استخلاص المعلومات وترتيب الأفكار، وليست لوحات فنية أو مجرد زخرفة.
لهذا عليك أن تركز على العناصر المختلفة لكل موضوع ترسم له خريطة ذهنية أكثر من التركيز على الألوان والصور حتى لا تبتعد عن الهدف الأساسي لخريطتك الذهنية.
أفضل أدوات إنشاء الخرائط الذهنية
نحن نعيش في عصر التكنولوجيا، والمرء منا في كثير من الأحيان يمسك هاتفه أكثر مما يمسك ورقة وقلم، سواء أثناء الدراسة أو العمل.
ولأن الخرائط الذهنية هي أسلوب هام للغاية يعتمد عليه الكثير من المحترفين كما أخبرتك سابقاً، لذلك ظهرت العديد من البرامج والأدوات التي تسهل عليك صناعة هذه الخرائط.
ستجد في البرامج والتطبيقات التي سأذكرها لك لاحقاً المميزات التالية:
- قوالب جاهزة للعديد من الخرائط الذهنية في الكثير من الموضوعات.
- إمكانية تصميم الخريطة الذهنية التي تناسبك.
- إمكانية استخدام هذه الأدوات على أكثر من نظام تشغيل (ويندوز – ماك – أندرويد – IOS).
- وجود بعض الخطوط و الصور والأيقونات الجاهزة التي يمكنك استخدامها في خرائطك الذهنية.
- إمكانية تخزين خرائطك الذهنية واستعادتها في أي وقت.
- إمكانية مشاركة الخرائط الذهنية مع مستخدمين آخرين مثل زملاء العمل أو الدراسة.
1- أداة Canva
ربما قرأت عن أداة Canva من قبل خصوصاً هنا في موقع الرابحون، فهي واحدة من أفضل أدوات تصميم الصور على الإطلاق.
يمكنك أيضاً استخدام Canva في تصميم الخرائط الذهنية، لأنك ستجد بها العديد من أدوات التصميم (الصور – الأيقونات – الأشكال – الخطوط)، وأيضاً يمكنك أن تستعين بأحد القوالب الجاهزة التي توفرها لك الأداة مثل التي توجد بالصورة بالأسفل.
أنصح أي شخص باستخدام هذه الأداة خصوصاً المحترفين، والذين يستخدمون هذه المعلومات في مشاركتها في نطاق العمل أو في العروض التقديمية المختلفة.
2- أداة Goconqr
أداة رائعة وبسيطة تتميز بروعة التصميم وسهولة الاستخدام، كما أنها مجانية تماماً وستجد بها العديد من الأمثلة على كيفية استخدامها.
أنصح باستخدام هذه الأداة للطلبة الذين يريدون تسجيل العديد من المعلومات والمصطلحات مثل كليات الطب والصيدلة وغيرها.
3- أداة MindMub
أداة رائعة وبسيطة في الاستخدام، ستجد بها العديد من القوالب الجاهزة وأيضاً إمكانية ربط الملفات والصور الخاصة بك بكل سهولة، لهذا أنصح باستخدام هذه الأداة للطلبة.
4- أداة Coggle
واحدة من أفضل أدوات تصميم الخرائط الذهنية التي تتميز بالمؤثرات البصرية المتنوعة، وإمكانية التصميم بحرية كبيرة بدون التقيد بقوالب أو قواعد معينة.
إن كنت تحب الإبداع قليلاً وتريد الخروج عن النمطية فهذه الأداة هي لك.
5- أداة Mindomo
أداة بسيطة ورائعة تمكنك من إنشاء خرائط ذهنية معقدة بسرعة وبسهولة، كما أنها تحتوي على أيقونات وصور وأشكال بسيطة تضيف شيء من الاحترافية على خرائطك الذهنية.
كما أنه يمكنك ربطها بالعديد من التطبيقات مثل Google Drive وغيرها من أماكن تخزين المعلومات، وبالتالي تصبح خرائطك الذهنية غنية بالمعلومات التي تحتاج إليها.
إن كنت تحب البساطة وفي نفس الوقت تريد أن تكون خرائطك الذهنية هي المكان الرئيسي لجمع المعلومات فهذه الأداة هي لك.
6- أداة MindMeister
تتميز أداة MindMeister بروعة التصميم وسهولة الاستخدام، كما أنها تحتوى على قوالب رائعة للغاية تناسب كل الأغراض تقريباً، لهذا يمكن لأي شخص استخدامها.
ولعل العيب الوحيد في استخدامها هو أن النسخة المجانية منها محدودة، فلا يمكنك إلا تصميم 3 خرائط ذهنية فقط.
الخلاصة
الخرائط الذهنية هي أسلوب رائع في التفكير وجمع المعلومات وتدريب العقل على استيعاب تلك المعلومات واسترجاعها في أي وقت.
لهذا فإن الكثير من الناس يعتمدون عليها في مختلف المجالات مثل:
- إدارة الأعمال والمشروعات
- الدراسة الأكاديمية
- التفكير الإبداعي
- الأنشطة اليومية والروتينية
لهذا أنصحك أن تكون واحداً من هؤلاء، وسترى بنفسك نتيجة استخدام الخرائط الذهنية، خصوصاً إن اعتمدت عليها بشكل مستمر لأربع أسابيع متواصلة.
ستشعر بالثقة والقدرة على استيعاب المعلومات وصفاء الذهن وحسن التدبير وتحديد الأولويات، وكل هذا سيعود عليك بالنفع فتحصل على درجات دراسية أفضل أو أرباح أكثر من عملك.