بقلم سهام الشريف
تتبنى مصر استراتيجية متكاملة للطاقة المستدامة، وتسعى لأن تصبح من أهم الدول المنتجة للطاقة المتجددة (مثل الطاقة الشمسية والرياح)، وأن تصل إلى نسبة 42% من إنتاج الطاقة عبر الطاقة المتجددة بحلول 2035، و 60% بحلول 2040.
تسعى مصر للوصول إلى إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بقدرة تبلغ 6.8 جيجاواط بحلول عام 2024.
ولقد بلغ إجمالي حجم الاستثمار الأجنبي في المشروعات الجديدة للطاقة الشمسية والرياح نحو 4.4 مليار دولار.
تتمتع مصر بتوافر الشمس طوال العام وتوافر الرياح وهو ما يؤهلها لتحتل مراكز متقدمة في هذا القطاع. وتتميز الطاقة المتجددة بأنها طاقة مستدامة لا ينتج عنها انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالإضافة إلى انخفاض تكلفتها.
تعتمد تكنولوجيا الطاقة الشمسية على استغلال أشعة الشمس في توليد الكهرباء عن طريق أنظمة الطاقة الكهروضوئية (Solar photovoltaic)، واستخدام أنظمة تركيز الطاقة الشمسية (Concentrating solar-thermal power) في إنتاج الطاقة الحرارية.
في السنوات الأخيرة اهتمت مصر بافتتاح مشروعات الطاقة الشمسية، ولكن هل تعلم عزيزي القارئ أن مصر شهدت بناء أول محطة للطاقة الشمسية منذ مائة عام.
في هذا المقال، سنتناول أبرز محطات الطاقة الشمسية في مصر بما فيهم أول محطة للطاقة الشمسية، وسنلقي الضوء على مقومات مصر الطبيعية للريادة في قطاع الطاقة الشمسية.
مقومات مصر الطبيعية للريادة في قطاع إنتاج الطاقة الشمسية
تقع في منطقة الحزام الشمسي العالمي: تقع مصر بين دائرتي عرض 22 و 31.5 شمال خط الاستواء، وهي بذلك تقع في منطقة الحزام الشمسي العالمي.
وتعرف منطقة الحزام الشمسي العالمي على أنها المنطقة الواقعة بين خط الاستواء ودائرة العرض 35 شمالا، وهي تتميز بسقوط كميات كبيرة من أشعة الشمس.
معدلات سطوع للشمس مرتفعة: تمتلك مصر أعلى معدلات لسطوع الشمس على مستوى العالم تتجاوز 3 آلاف ساعة فى العام، وتتلقى كمية من الطاقة ما بين 2000 و 3000 كيلوواط/سـاعة/ لكل متر مربع.
طول ساعات النهار: تسطع الشمس في مصر لمدة 9 – 11 ساعة يوميًا طوال العام باستثناء أيام قليلة غائمة.
توافر الأراضي المناسبة: تمتلك مصر مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية الشاسعة غير المعمرة، والتي تكون مناسبة جداً لبناء محطات الطاقة الشمسية العملاقة.
أبرز محطات الطاقة الشمسية في مصر
1. محطة المعادي للطاقة الشمسية (أول محطة في العالم)
في عام 1913 شهدت مصر بناء أول محطة للطاقة الشمسية في العالم، وكان ذلك تحت إشراف المخترع الأمريكي فرانك شومان الذي كان شغله الشاغل استخدام الطاقة النظيفة في تشغيل الآلات بدلا من استخدام الفحم لضمان بقاء الهواء نظيفًا وصحيًا.
اختار شومان مصر نظرًا لتمتعها بتوافر أشعة الشمس وسطوعها لساعات طويلة طوال العام، وكانت المنطقة التي شهدت بناء أول محطة طاقة شمسية هي المعادي الخبيري في القاهرة.
كان هدف الاختراع هو تسخير طاقة الشمس في تشغيل آلات رفع المياه التي تنقل مياه النيل إلى الأراضي الزراعية في مزارع القطن، وكانت هذه الآلات تعمل بالفحم الملوث للبيئة.
كانت فكرة الاختراع هي تسخين المياه باستخدام أشعة الشمس إلى درجة الغليان، ثم استخدام البخار الصاعد لتشغيل محرك آلة رفع المياه تبلغ قوته 75 حصانًا، وباستخدام هذا الاختراع يمكن رفع 6000 جالون من المياه في الدقيقة الواحدة.
يتم تسخين المياه عن طريق تجميع أشعة الشمس بواسطة مرايا مقعرة يصل طولها إلى 62 مترًا وتسليطها على خزانات مياه مستطيلة.
عملت هذه المحطة لمدة عام تقريبًا وتوقفت بسبب الحرب العالمية الأولى، ثم اكتشف النفط في الشرق الأوسط، وتوقف تطوير هذا الاختراع.
2. مجمع بنبان Benban Solar Park
مجمع بنان للطاقة الشمسية هو من المشروعات الكبرى في مصر، ويعد من أكبر المجمعات للطاقة الشمسية بنظام الخلايا الكهروضوئية بدون تخزين على مستوى العالم، فهو الرابع عالميًا والأول إفريقيًا.
اختير موقع المشروع بناءًا على دراسات لوكالة ناسا وبعض المؤسسات العلمية الشهيرة التي تشير إلى أن هذا الموقع هو من أكثر المناطق الساطعة على مستوى العالم وخالي من المرتفعات والسهول.
يقع مجمع بنبان في الصحراء الغربية على بعد 40 كيلومترًا من محافظة أسوان أمام قرية بنبان، وتبلغ مساحته 8843.3 فدان.
يتكون المجمع من 32 محطة، وتبلغ قدرة كل محطة 50 ميجاواط، ويصل عدد الألواح الشمسية المستخدمة إلى 200 ألف لوح شمسي.
وتبلغ القدرة الإجمالية للمشروع 1465 ميجاواط، وتمثل نحو 90% من الكهرباء المنتجة من السد العالي، مما سيساهم بخفض انبعاثات الكربون بنحو 1.9 مليون طن سنويًا.
تدير هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة هذا المشروع الضخم باستثمارات بلغت ملياري دولار، وبدأ التنفيذ في عام 2015، ثم بدأ التشغيل التجاري في إبريل عام 2018، وافتتحته الحكومة المصرية في ديسمبر/كانون الأول عام 2019.
3. محطة كوم امبو
لا تبعد محطة كوم إمبو عن محطة بنبان سوى 20 كيلومترًا، وتقع على بعد 60 كيلومترًا من شمال أسوان، وعلى بعد 10.8 كيلومتر من شرق النيل.
وتبلغ قدرة المحطة نحو 200 ميجاواط، وهو ما يساهم في خفض انبعاثات الكربون بنحو 280 ألف طن سنويًا. أما عن الألواح الشمسية المستخدمة فهي ثنائية الاتجاه، أي أنها تسمح للضوء بالنفاذ من الجهتين الأمامية والخلفية.
شركة أكاوا باور السعودية هي المسؤولة عن تمويل وتطوير وبناء وتشغيل المحطة باستثمارات بلغت نحو 20.7 مليون دولار، وبدأ التشغيل التجاري في فبراير/شباط 2020.
4. محطة فارس
محطة فارس في كوم إمبو هي ثاني أكبر محطات الطاقة الشمسية في مصر بعد مجمع بنبان. تقع المحطة في الظهير الصحراوي لقرية فارس بأسوان. وتبلغ مساحة الأرض المخصصة لهذا المشروع 13 كيلو مترًا مربعًا.
وتبلغ قدرة المحطة نحو 276 ميجاواط، وتتولى شركة صينية تنفيذ المشروع في خلال 18 شهرًا، وفي سبتمبر 2024 ستبدأ المحطة بضخ إنتاجها في الشبكة القومية الموحدة للكهرباء. تبلغ تكلفة هذا المشروع 221 مليون دولار.
5. محطة الكريمات
هي أول محطة للطاقة الشمسية الحرارية في مصر والثالثة في إفريقيا، وتعتمد على تقنية مرايا القطع المكافئ لتركيز الإشعاع الشمسي (Parabolic trough solar thermal collector ).
تقع المحطة بمنطقة الكريمات في محافظة الجيزة، وتبلغ قدرة المحطة 140 ميجاواط. وتبلغ مساحة الحقل الشمسي 644 ألف متر مربع، ويصل عدد المجمعات الشمسية إلى 1920 مجمع شمسي وتحتوى على 53760 مرآة.
وبدأت مصر التشغيل التجاري في يوليو/ تموز 2011. وتصل التكلفة الإجمالية للمحطة إلى 2 مليار جنيه.
6. محطات أخرى
في محافظة السويس بمنطقة الزعفرانة، دُشن مشروع محطة الزعفرانة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 50 ميجاواط وبتكلفة إجمالية تصل إلى 38 مليون يورو.
تبلغ مساحة المحطة كيلو متر مربع، وانتهى تنفيذ المشروع في 2022، وسيساهم في خفض انبعاثات الكربون بنحو 50 ألف طن سنويًا.
أما في مدينة العلمين الجديدة فتوجد محطة ميناء الحمرا البترولي للطاقة الشمسية، وهي ذات قدرة 500 كيلو واط. ونفّذت شركة “غازكول” المحطة باستثمارات قيمتها 360 ألف دولار، وافتتحت المحطة في أغسطس/آب 2023.
في محافظة البحر الأحمر توجد محطة الغردقة للطاقة الشمسية وهي قيد الإنشاء، وهي ذات قدرة تبلغ 20 ميجاواط.
ومن مشروعات الطاقة الشمسية في غرب النيل محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 200 ميجاواط، ومشروع محطة شمسية حرارية بقدرة 100ميجاواط.
في الختام، نجد أن مصر تشهد نقلة نوعية في إنشاء محطات الطاقة الشمسية، وأن محافظة أسوان لديها نصيب الأسد من مشروعات الطاقة الشمسية، وهي تعد بذلك عاصمة الطاقة الشمسية في مصر.
ستؤدي المشروعات الجديدة في الطاقة الشمسية إلى توفير آلاف من فرص عمل المباشرة وغير المباشرة، وذلك سيساهم في حل مشكلة البطالة وإنعاش الاقتصاد عن طريق ضخ الاستثمارات الأجنبية، كما أن استخدام الطاقة الشمسية سيساهم في حل أزمة الكهرباء والوقود، وسيعمل على الحد من انبعاثات الكربون.