التعلم العميق Deep Learning هو واحد من أكثر التقنيات إثارة للجدل في هذا الوقت، حيث أن طاقته وقدرته على محاكاة العقل البشري عجيبة ومخيفة للغاية، فما هو التعلم العميق؟ وكيف يعمل؟ وهل من الممكن أن يتحكم بنا أحد تطبيقات التعلم العميق؟ هذا ما سوف نناقشه وأكثر في هذا المقال الممتع والشيق.
تعريف التعلم العميق
التعلم العميق هو قسم أو جزء من تعلم الآلة Machine Learning الذي هو بدوره جزء من العلم الكبير الذي يطلق عليه الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence.
التعلم العميق هي تقنية اخترعها الإنسان من أجل محاولة تقليد الطريقة التي يعمل بها العقل البشري، فالتعلم العميق يحاول أن يحاكي العقل البشري في جميع قدراته، والتي منها؛ الرؤية، وفهم الحديث، وتكوينه، والسمع، وغيرها من القدرات القوية التي يتمتع بها عقلنا البشري ولا ينافسه فيها أي شيء آخر، أو هكذا كان.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل أن العلماء قد قاموا بدراسة العقل البشري وكيفية عمله من أجل أن يصمموا خوارزميات وبرامج قادرة على محاكاته، ولهذا السبب نجد أن تلك الخوارزميات مستوحاة من الدراسات الطبية والعصبية الخاصة بالإنسان وتحاول قدر الإمكان أن تقلدها، ولكن بطرق حاسوبية لا بيولوجية.
فالخلايا العصبية Neurons أو الشبكات العصبية Neural Networks قد تم استبدالها بشكل حاسوبي لتصير بيرسيبترون perceptron أو خلايا عصبية صناعية Artificial neural Network، والتي لدينا منها الآن العديد من الأنواع مثل: الشبكات العصبية الالتفافية Convolutional Neural Network، أو الشبكات العصبية التكرارية Recurrent Neural Network.
التعلم العميق مصطلح حديث نسبيًا؛ إذ أننا لم نهتم به حقًا إلا حين توافرت لدينا الكثير من البيانات خلال الثورة التقنية الحديثة، وهو ضروري من أجل اتخاذ القرارات الصعبة من خلال البيانات الضخمة، وذلك بدون أي تدخل بشري أو تحديد للبيانات أو الخواص، فالتعلم العميق كما سنرى هو من يتولى كل هذه الأمور مثل العقل البشري تمامًا.
اقرأ أيضًا: مجالات الذكاء الاصطناعي: أبواب المستقبل المفتوحة على مصارعها
تاريخ التعلم العميق
التعلم العميق هو علم جديد إلى حد كبير، ولكن له جذور في المعرفة البشرية، وله مراحل قد تطور من خلالها منذ أربعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، ووفقًا لمقالة عن تاريخ تطور التعلم العميق على الموقع الشهير Towards Data Science، فإن هذه المراحل هي:
- مرحلة الحوسبة العصبية Cybernetics: والتي امتدت من أربعينات القرن العشرين وحتى تسعيناته.
- مرحلة الاتصالية Connectionism: والتي كانت في تسعينات وثمانينيات القرن الماضي.
- مرحلة التعلم العميق Deep Learning: وهي ما نعرفه الآن على أنه التعلم العميق، وقد بدأت من 2006 وامتدت حتى الآن.
وإليك شرح لكل مرحلة:
المرحلة الأولى أو المرحلة العصبية
كانت تتميز بمحاولة فهم كيفية عمل عقل الإنسان، والتي اشترك فيها علماء الحاسوب (الذين كانوا آنذاك علماء رياضيات) وعلماء النفس وعلماء الأعصاب، والذين عملوا معاً على إبتكار معادلة أو نظام رياضي يحاكي طريقة عمل المخ، وهذا من أجل تقديم نفس المدخلات له، وفي المقابل الحصول على نفس الأحكام والمخرجات مثل ما يخرجه العقل البشري.
الوحدة العصبية الصناعية أو البيرسيبترون perceptron -التي تكلمنا عنها قبل قليل- هي واحدة من أبرز اكتشافات هذه المرحلة، وقد تم التوصل إليها من قبل عالم النفس الأمريكي الشهير فرانك روزنبلات، والذي هو يعتبر واحد من أبرز العلماء الذين ساهموا في علوم الذكاء الاصطناعي.
المرحلة الثانية أو مرحلة الاتصالية
هي المرحلة التي بدأت عقب الاكتشافات والتطورات المصاحبة لزيادة الاهتمام بالعلوم الإدراكية، والتي قامت من قبل بعض علماء النفس النابغين لتحاول فهم كيفية عمل العقل والحواس بطريقة أكثر تجريدًا، وقد استفاد علماء الحاسوب والرياضيين الكثير من هذه المرحلة، واستخدموها لكي ينتجوا الأشكال الأولى البسيطة لما نعرفه اليوم باسم التعلم العميق.
فالشبكات العصبية الصناعية ANN أو Artificial Neural Network هي واحدة من أشهر إنتاجات هذه الفترة الهامة في تاريخ التكنولوجيا العالمية، وهي شبكات عصبية تحاكي كيفية عمل الشبكات العصبية الطبيعية التي تعمل في عقل الإنسان.
كما توصل علماء هذه المرحلة إلى نموذج الانتشار العكسي Back propagation، والذي قد تم استخدامها كثيرًا في معالجة اللغات الطبيعية والرؤية الحاسوبية، والكثير من فروع الذكاء الاصطناعي الأخرى.
المرحلة الثالثة أو مرحلة التعلم العميق
قد قامت أيضًا بسبب تطور أحدثه عالم النفس الإدراكي وعالم الحاسوب الكندي جيوفري هينتون في العام 2006؛ حيث قام بعمل DBN أو Deep Belief Networks؛ التي هي عبارة عن شبكة عصبية تحتوي على الكثير من الطبقات الخفية تحتها، والتي تعمل دون إشراف بشري، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن بدأ عصر الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق.
اقرأ أيضاً: تعلم الذكاء الاصطناعي (كل المصادر والمعلومات التي تحتاجها)
كيف يعمل التعلم العميق؟
التعلم العميق كما أوضحنا من قبل يحاول محاكاة العقل البشري، ولذا فإنه يستخدم الشبكات العصبية الصناعية ANN من أجل هذا، وهذا صحيح…
ولكن هذا الوصف تلخيص شديد للعملية التي تتم، فالشبكات العصبية الصناعية عادة ما تتكون من عدد من الطبقات العصبية. والتعلم العميق يعتمد على الطبقات العصبية الخفية أو العميقة؛ بمعنى أنها تحتاج لعدد كبير من هذه الطبقات أكثر من الطبقات العصبية في الشبكة العصبية العادية التقليدية.
الشبكات العصبية العميقة هذة لها عدة أنواع، وكل نوع منها عادة ما يكون مختص بوظيفة محددة؛ فبعضها يتعامل مع الصور ويتعرف عليها، والآخر يعالج الأصوات ومن ثم يفهمهما، وبعضها يقوم بمعالجة اللغة الطبيعية التي يتحدث بها الإنسان ومن ثم يفهمها ويرد عليها كذلك.
فعلى سبيل المثال:
- الشبكات العصبية الالتفافية CNN أو Convolution Neural Network: تختص بالتعرف على الأنماط، وتستخدم بكثرة في معالجة الصور وما يدخل في هذا من التعرف عليها والتعرف على الوجوه.
- الشبكات العصبيةالتكرارية RNN أو Recurrent Neural Networks: تختص بفهم المتتاليات Sequences، والتعامل معها مع اختلاف أنواعها، ولذا تستخدم في العديد من المجالات كترجمة الآلة، ومعالجة الكود الجيني للإنسان، والعديد من المجالات الأخرى.
- هناك العشرات بل المئات من الشبكات العصبية الأخرى التي تعمل كخوارزميات من أجل القيام بالعديد من الخواص الإنسانية مثل: الرؤية والاستماع والحديث والفهم…. وهلم جرا.
الشبكة العصبية العادية تعمل من خلال نموذج رياضي معتمد على الطبقات وعلى الوحدات العصبية التي تنتج قيم وأرقام رياضية تحدد مخرجات هذه الشبكات. فهي تشبه الخلايا العصبية العادية في كونها تحتاج لقدر ما من الطاقة أو الشحنات الكهربائية لكي يتم تنشيطها، وهذا بالضبط الذي يتم من خلال الشبكات العصبية والطبقات الخاصة بها، فتتم محاكاة الكهرباء في الأعصاب البشرية بقيم رياضية.
الشبكات الأخرى المعقدة تعمل بهذه الطريقة أيضًا، ولكن من خلال عدد كبير من الطبقات والاحتمالات والقيم والدوال.
فشبكة مثل الشبكة العصبية الملتفة CNN تعمل من خلال عدد كبير متتالي من الطبقات الخفية، والتي تعمل على تحديد الأنماط البصرية والتعرف عليها… لتقوم في النهاية بالتعرف على الصور بشكل كامل… حتى وإن كانت دقيقة مثل وجه الإنسان أو عينه.
تعمل الشبكة العصبية الملتفة عن طريق العديد من الطبقات التي تختص كل واحدة منها بشكل أو بنمط صوري مختلف، فالطبقة الأولى تعمل على تحديد الخطوط المستقيمة والأخرى تعمل على تحديد الدوائر، وهكذا تتوالى الطبقات حتى تصل في النهاية إلى تمييز وجوه الأشخاص عن بعضها البعض، والتعرف عليها.
على سبيل المثال التعرف على الحيوان وتحديد ما إذا كان قطة أم كلب أم فأر.
الشبكة العصبية التكرارية RNN تعمل بطريقة مختلفة بعض الشيء؛ فهي تعمل على فهم ومعالجة الجمل.
فعلى سبيل المثال؛ إذا أعطيت لها جملة “ما الوقت الآن؟” أو “What time is it؟” فإنها تقوم بفهم كل كلمة على حدا، ومن ثم تنتقل إلى الكلمة التالية لها بشكل تسلسلي حتى تفهم الجملة بأكملها أو تجاوب عليها، ولذا فإنها تُستخدم في تطبيقات التحاور مع الأفراد وخدمة العملاء.
الشبكات العصبية العميقة لا تقتصر أيضًا على الشبكات العصبية الملتفة CNN والشبكات العصبية التكرارية RNN، ولكن هناك الكثير من هذه الشبكات منا المختلفة ومنها التي تعتبر تحسينية وتطورية لها.
فالشبكات العصبية التكرارية مثلًا تعاني من مشكلة قصر الذاكرة، ولذا فإننا قد استحدثنا شبكات أخرى لها ذاكرة طويلة المدى، مثل: GRU وحدات البوابات التكرارية و LSTM الذاكرة قصيرة المدى الطويلة.
ملاحظة: في هذا المقال نتناول كثيرًا الشبكات العصبية الملتفة CNN والشبكات العصبية التكرارية RNN لأنهما الأكثر استخدامًا في التعلم العميق ومن أساسياته التي يجب علينا فهمها.
اقرأ أيضاً: الزيف العميق Deepfake: أعجوبة تقنية وخطر يهددنا جميعًا
الفرق بين التعلم العميق وتعلم الآلة
أنا أعلم أنك الآن تتساءل عن الفرق بين التعلم العميق وتعلم الآلة. الأمر الذي يجعل لهما تسمية مختلفة على الرغم من أن الاثنان يبدوان وكأنهما يعملان نفس العمل، وهنا الفرق بينهما عزيزي القارئ هو طريقة العمل والخصائص المميزة لكل واحدة منهما؛ من حيث التدخل البشري، والطاقة الحاسوبية المُستخدمة، وكمية البيانات المطلوبة ووقت التشغيل.
فالتعلم العميق يعتمد على خوارزميات خاصة ومعقدة للغاية، فهو يتطلب تعقيدًا وترابطًا شديدًا ليستطيع أن يحاكي الطريقة التي يعمل بها العقل. وذلك على العكس من خوارزميات تعلم الآلة التي في العادة تكون أكثر بساطة كالتوقع الخطي وشجرة القرارات.
والتعلم العميق أيضًا يتطلب تدخلًا بشريًا أقل للغاية من تعلم الآلة، حيث إنه بتكفل بمفرده بعملية استخراج الخصائص أو الملامح Features.
الفرق الآخر الكبير هو المتعلق بحجم البيانات، فالتعلم العميق يحتاج إلى كمية مهولة جدًا من البيانات، والتي بالتالي تجعله يحتاج إلى طاقة حاسوبية كبيرة جدًا لمعالجة هذه البيانات، وهو ما يجعله يحتاج إلى أجهزة خاصة غير المنزلية أو الاقتصادية التي نستخدمها. وهذا على عكس تعلم الآلة الذي يحتاج إلى كمية أقل من البيانات وبالتالي إلى طاقة حاسوبية أقل بكثير.
كمية البيانات الضخمة هذه تساهم في تقليل التدخل البشري في عمليات توضيح الخصائص أو الملامح للآلة، ولذا فإن التعلم العميق أكثر تطورًا من تعلم الآلة، فهو في العادة يتعلم بنفسه بأقل درجة من التدخل الإنساني في العمليات الخاصة به، ولكن هذا قد ينقلب من ميزة إلى عيب بسبب كون المنطق الخاص بالآلة قد يكون مختلف كثيرًا عن المنطق البشري.
استخدامات وتطبيقات التعلم العميق
استخدامات التعلم العميق غير محدودة وتطبيقاته تفاجئنا كل يوم، فمدى التقدم التي يتم في هذا المجال يوميًا يكاد لا يصدق، فهناك الكثير من التطبيقات في حياتنا العملية والتي من الصعب ذكرها جميعًا، ولذا سوف أذكر أهمها:
1. السيارات ذاتية القيادة
السيارات ذاتية القيادة قد كونت اقتصاد منفرد خاص بها في السنوات القليلة السابقة. فمع احتدام التنافس بين عمالقة شركات التكنولوجيا أوبر وجوجل على الريادة في هذا المجال، ومع دخول عمالقة شركات السيارات مثل تسلا فيها أصبح التنافس محمومًا للغاية، وما هو أكثر ميدان للتنافس من خلاله؟ بالضبط هي التقنية والتعلم العميق الذي وراء هذه السيارات.
فسيارات القيادة الذاتية المراد منها أن تستطيع القيادة بمفردها بدون أي تدخل بشري على الإطلاق، وذلك ليستغل الإنسان هذه الوقت في فعل أمور أكثر أهمية بجانب تقليل أو القضاء على حوادث الطريق، وهذا كله سيكون ممكنًا بسبب خوارزميات التعلم العميق وشبكات الجيل الخامس القادرة على أن تعالج البيانات المعقدة بسرعة وكفاءة.
السيارات ذاتية القيادة لها نموذج تقييم مكون من خمس مراحل حسب تدخل الإنسان في القيادة؛ حيث المرحلة الأخيرة منه لا تتطلب أي تدخل بشري على الإطلاق، وهو المطلوب من أجل بداية تفعيل السيارات ذاتية القيادة بشكل آمن في الطرقات.
وحاليًا شركة تسلا ما زالت في المرحلة الثانية وشركة جوجل في المرحلة الرابعة، ومن المتوقع أن أول شركة تصل إلى المستوى الخامس عن طريق تطوير خوارزميات التعلم العميق الخاصة بالقيادة سوف تكتسح السوق كله لحسابها.
2. تقنيات كشف الخداع
تقنيات كشف الخداع أصبحت ضرورة في عصر منصات التواصل الاجتماعي التي تتمتع بقوة كبير في التحكم برأي البشر وتوجيهه، وتهدف خوارزميات التعلم العميق في أن تستطيع كشف الأخبار المضللة والكاذبة وفرزها بطريقة أكثر ذكاءًا، وذلك لتمنع المشكلات التي حدثت بسببها مثلما حدث في فضيحة كامبريدج أناليتيكا المتعلقة بالانتخابات الأمريكية بين ترامب وهيلاري كلينتون.
3. معالجة اللغة الطبيعية
معالجة اللغات الطبيعية واحدة من أبرز توجهات التعلم العميق في هذا الوقت، حيث يعمل مهندسي التعلم العميق على جعل الآلة تفهم اللغة التي يتحدث بها البشر، وذلك من خلال فهم القواعد النحوية والتعبيرات والمعاني المتعلقة بالكلمات.
أي باختصار فهم المعاني والدلالات الخاصة بالكلمات، واكتساب القدرة على إصدار الردود المناسبة والمطلوبة مثلما يفعل الإنسان.
هذه التقنية بالتحديد سوف تنقل الآلات التي نستخدمها في حياتنا إلى مستوى آخر، حيث يكون بإمكانها حينذاك أن تستجيب لأوامرنا الشفهية بكل سهولة، أو أن تحاورنا وتستطيع الرد علينا بشكل مناسب يتوافق مع حالتنا النفسية، وطبيعة السؤال، والعوامل الأخرى التي يأخذها الإنسان في الحسبان عند إجراء المحاورات.
4. التعرف البصري
التعرف البصري الذي يعرف بقدرته على التعرف على الوجوه؛ هو مجال من مجالات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد كما قلنا على الشبكات العصبية الملتفة CNN، وهو مجال معقد للغاية ويهدف إلى جعل الآلة تستطيع الرؤية والتعامل مع الصورة بطريقة أكثر ذكاءًا واحترافية وآدمية.
فالتعرف البصري قادر على جعل الآلة قادرة على التمييز والتفرقة، كما أنها تكون قادرة على تحديد وتسمية أو حتى وصف الصورة التي تقدمها لها بما في ذلك صور الوجوه البشرية، ويتم التعويل على هذه التقنية في حل العديد من المشاكل التي في مقدمتها توفير مساعدة للمصابين بالعمى باستخدام هذه الآلات للتحسين من جودة حياتهم.
التعرف على الكتابة اليدوية هو مجال آخر مهم يندرج تحت مجالات التعرف البصري، ولذا لا تستعجب إذا وجدت آلة بدل الصيدلاني تقوم بقراءة طلاسم وصفتك الطبية بعد عدة سنوات، واعلم أن التعلم العميق هو ما وراء هذا.
5. الترفيه
قد تتفاجأ إذا علمت أن عددًا كبير من مطوري التعلم العميق والذكاء الاصطناعي على العموم هم مقدمي الخدمات الترفيهية أو منصات التواصل الاجتماعي والشركات التي تقدم خدمات ومنتجات للناس العاديين.
شركات مثل: جوجل، فيسبوك، نتفليكس، أمازون، يوتيوب، سبوتيفاي، أوبر، وغيرها الكثير تنفق مئات المليارات سنويًا من أجل تطوير تقنيات التعلم العميق التي تساعدها على تقديم خدمة شخصية أكبر لعملائها.
فشركة نتفليكس على سبيل المثال تبذل مجهود خرافي في عمل خوارزميات الاقتراحات لكي تحاول أن تجعلك تقضي أكبر وقت ممكن على المنصة، كما أنها تعرض لكل شخص بوستر مخصص له لكي تجذبه ليفتح المسلسل أو العرض، فمسلسل أشياء غريبة Stranger Things كان له 8 بوسترات مختلفة تعرض الخوارزميات لكل مشترك البوستر الذي سيجذبه لمتابعة العرض.
6. المجالات الطبية
التعلم العميق قد قام بطفرة حقيقية في المجالات الطبية خاصة الصعبة والمعقدة فيها، مثل مجال الأورام والتشخيص. فمن خلال تقنيات التعلم العميق قد استطعنا أن نقوم بتشخيص الأورام بشكل مبكر وأكثر دقة وفعالية من أي من الخبراء البشريين، ولذا ففي الفترة الأخيرة قد قلت أعداد الوفيات المتعلقة بالإصابة بالأورام في العالم كله وخاصة في الدول المتقدمة.
التعلم العميق قد ساهم أيضًا في خلق ما يعرف بالطب الشخصي؛ الذي هو عبارة عن بروتوكلات وممارسات علاجية تتحدد من التركيبة الجينية الخاصة بالمريض نفسه، والتي تتلائم معه تمامًا ولها الفعالية القصوى في علاجه، وتطبيق الطب الشخصي سوف يساهم في تحسين الحالة الطبية للبشر وسيحمي حياتهم في كثير من الأوقات لو كان هذا المرض مرضًا خطيرًا كالأمراض المناعية أو السرطان.
الأمر لم يتوقف عند هذا، فالتعلم العميق يساعد في تحقيق العشرات من الأهداف والإنجازات الطبية؛ مثل اكتشاف الأدوية، والتطبيق الافتراضي لها، ومعرفة تأثيرها على الأمراض، والتحليل التنبؤي لمعرفة ماذا سيحدث للمرضى المصابين بأمراض معينة، كما أن هناك أنظمة ذكية اليوم تساعد الأطباء على اتخاذ القرارات العلاجية بشكل أكثر فعالية.
التعلم العميق له عشرات التطبيقات والاستخدامات الأخرى التي يضيق المجال بذكرها، فهو يستخدم في أنظمة خدمة العملاء بكثرة والتحليل والتنبؤ الديمغرافي للانتخابات، كما يستخدم في مئات الاستخدامات العسكرية الحديثة، وحتى أنه له دور كبير في الترجمة الآلية وتحسين التواصل بين البشر وبعضهم البعض.
مستقبل التعلم العميق
التعلم العميق والذكاء الاصطناعي سوف يؤثران بشكل كبير للغاية على حياتنا في المستقبل إن لم يكونوا هما مستقبل حياتنا، فهما مستمران في غزو حياتنا، وفي التغلغل في جميع الأعمال والوظائف التي كنا نقوم بها، ومن المتوقع أنه بفضل شبكات الجيل الخامس أن يكون لدينا قدرة كبيرة جدًا على استخدام التعلم العميق، وأن نجعله أكثر اتصالًا بنا وبحياتنا.
إنترنت الأشياء هو أيضًا عامل قوي سيساهم في زيادة اعتمادنا على التعلم العميق والذكاء الاصطناعي، فمن خلاله أصبحت الأجهزة التي نستخدمها ذكية ومتصلة ببعضها البعض.
البيانات الضخمة هي ربما العامل الأقوى في عملية تطوير التعلم العميق، وجعله أكثر اتصالًا بحياتنا من خلال توفير كم البيانات الكبير الذي يحتاجه من أجل أن يتعلم وأن يصير ذكيًا بمفرده.
ولعل السؤال الذي يدور في بالك الآن هو هل سيأتي يومًا ليتحكم فيه الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق بنا؟ حسنًا نعم ولا! فلا أحد يعرف الآن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي ذكيًا لهذه الدرجة، وما هي والدوافع والقدرات التي ستجعله قادرًا على فعل هذا.
مشاءالله تبارك الله
الله يوفقك
شكراً لك.
مميز طرح جميل
شكراً لك.